غسيل الدماغ
ألف الطبيب والكاتب (David Perlmutter) كتاب رائع يفسر فيه لماذا يشعر الكثير من البشر بعدم الارتياح والقلق والتوتر والاكتئاب رغم أننا نعيش في أكثر العصور رفاهية ، ويعطي وصفة علمية وعملية للتخلص من هذه الأحاسيس المُزعجة...لخصته في سلسلة من المقالات القادمة.
تحدث المؤلف بالتفصيل عن دور نمط حياتنا الحديث في اختطاف عقولنا والتأثير على أفكارنا و قراراتنا حتى انحرفنا عن وضعنا الطبيعي ، وذكر وصفة من عدة خطوات عملية يظهر أثرها خلال فترة وجيزة لها دور عميق في إعادة برمجة عقولنا وإعادتها إلى المسار الصحيح.
سألخص هنا ماذكره د. بارلموتر في كتابه بإيجاز ابتداءً من الفصول الأولى..
١- عالمنا الحديث يمنحك لذة الاشباع الفوري لكنه يدمر السعادة طويلة المدى.
يسهل الحصول مثلاً على الأغذية المختلفة لكن أكثر من 70% منها غير صحي حسب دراسة بجامعة شمال كارولينا.
وهي تمنحك شعور مؤقت بالرضى وتحسن مزاجك لفترة وجيزة لكنها ضارة على المدى البعيد بحيث يزيد وزنك وتسبب الأمراض المزمنة كالسكري وأمراض القلب وهذا يسلب منك الشعور بالسعادة لفترة طويلة جداً.
وهذا ينطبق على استخدام مواقع التواصل أيضاً فهي تمنحك الشعور بالرضى والقبول المؤقت في العالم الافتراضي على حساب العلاقات الحقيقية العميقة ذات المعنى ولاتزال تشعر بالوحدة حتى تصاب بما سماه المؤلف متلازمة الانفصال (Disconnection syndrome).
٢- الدماغ مرن وقابل للتغيير سواء بشكل إيجابي أو سلبي.
في كل مرة تتعلم مهارة أو تحصل على معلومة جديدة يتم بناء روابط بين الخلايا العصبية وتكرار هذه العملية يسهل قيامك بهذه الوظيفة الإدراكية حتى تصل لدرجة بارعة بحيث تنجزها بشكل تلقائي وهذا مايسمى باللدونة (Neuroplasticity).
عدد ونوع الروابط يحدد شخصيتك و قدراتك الذهنية فكلما زادت الروابط اللازمة لبعض المهارات (الحسابية مثلا) يصبح دماغك أكثر قوة وكفاءة في التحليل والمنطق.
المشكلة أن هناك الكثير من الممارسات الغير صحية مثل متابعة الأخبار السلبية المليئة بالتهديدات والكوارث التي تهدف لجذب الانتباه والنتيجة أن دماغك يصبح بارع في خلق المخاوف حتى في الظروف العادية والبسيطة ويمنحك شخصية قلقة على الدوام.
٣- نظام الخطر والمكافأة يتعرض لنشاط مفرط.
عندما تتناول قطعة من الحلوى يقوم نظام المكافأة بافراز الدوبامين الذي يمنحك شعور جيد وعندما ينخفض مستوى الدوبامين يذكرك دماغك بالحاجة لهذا الشعور.
وهو مرتبط دائما باللذات السابقة فيلح عليك حتى تحصل على الحلوى للاحساس بنفس الشعور الجيد مرة أخرى، عندما تلبي احتياجاته وتتناول الكثير منها يصل دماغك لمرحلة المقاومة وعندها يفقد الشعور بالرضا عند تناولها في المرات القادمة.
فالافراط في المتعة يعقد الأمر ويعود بنتيجة عكسية ويسبب لك توتر واضطراب شديد لأنه لايوجد قاع للمتعة وستبقى في كل مرة تطلب ممارسة أخرى جديدة أشد منها لتحصل على الشعور الجيد الذي لم تعد تمنحك إياه الممارسة الحالية.
مثال آخر:
الخوف يسبب افراز الأدرينالين الذي يهيئ قلبك وعضلاتك للمخاطر ، لكن الافراط في التعرض لهذه المواقف يعطل منطقة prefrontal cortex المسؤولة عن التحليل والمنطق وينشط منطقة amygdala بافراط وهي المسؤولة عن الخوف فتصبح في حالة اضطارب وخوف وقلق مستمر.
فالاضطراب السريع وعدم التوازن في مستويات الدوبامين والأدرينالين يجعلك شخص مشوش قلق يصعب عليك التركيز في اتخاذ القرارات حتى يصبح ظاهراً على سلوكك.
٤- الافراط في تصفح مواقع التواصل يسلبك الشعور بالسعادة.
ثبت أن استخدام الأجهزة الذكية لساعات طويلة يقلل نشاط منطقة تسمى anterior cingulate وهي مسؤولة عن ضبط الاندفاع والانفعالات...
أي أن (إدمان) أي ممارسة يُفقد الشخص السيطرة على التحكم بسلوكه وهذا مايحدث أثناء استخدام الجوال إضافة إلى عزلك عن المجتمع.
حسب دراسة في جامعة بنسلفانيا وجد أن الطلاب الذين قللوا استخدامهم للجوال إلى 10 دقائق يومياً لثلاثة أسابيع تراجع شعورهم بالوحدة والاكتئاب بشكل كبير جداً.
٥- حارب متلازمة الانفصال بالتواصل مع الطبيعة.
دراسة في مجلة (Journal medical science) وجدت أن مجرد مشاهدة النباتات الطبيعية من النافذة زاد من سرعة التعافي لدى الأشخاص الذين أجروا عملية جراحية مقارنة بمن لم يشاهدوها كما أنهم شعروا بآلام أقل.
إضافة إلى أن التعرض المستمر للشمس في الهواء الطلق يزيد من امتصاص فيتامين (D) الفيتامين المهم لإفراز السيروتونين المعروف بهرمون السعادة عندها يتحسن مزاجك بشكل ملحوظ.
٦- الأغذية المعالجة تضعف وظائف الدماغ.
الأغذية الغنية بالكربوهيدرات تقلل من انتاج بروتين (BDNF) وهو بروتين هام لبناء الروبط العصبية... وارتفاع السكريات في الدم يقوم بتدمير هذه الراوبط التي ينتج عنها تراجع ملحوظ في الوظائف الادراكية كالخرف والألزهايمر كما يؤدي أيضا للاكتئاب.
٧- النوم الكافي مهم لتفكيرك.
ثبت أن قلة النوم مرتبطة بشدة بضعف الذاكرة والتركيز والانتباه والوظائف المهمة مثل التحليل والمنطق واتخاذ القرارات ، سهر ليلة كاملة قد يسبب تراجع في قدرات الذاكرة بنسبة 50% تقريباً.
أثناء النوم يقوم الدماغ بالتخلص من الروابط الغير ضرورية والتي تسبب عبء وتبطئ وظائف الدماغ وذلك يشمل التخلص من مادتي Kynurenine و beta-amyloids والتي تساهم في الشعور بالاكتئاب.
٨- الرياضة المنتظمة تحسن الوظائف الإدراكية.
يوصي الباحثون بممارسة الرياضة لمدة 30 دقيقة يومياً فهي تزيد من ضخ الدم للدماغ وتحسن من نشاط المنطقة الأمامية منه والمسؤولة عن الوظائف المعقدة كالتفكير وحل المسائل والمشكلات..
زيادة تدفق الدم للدماغ يسبب أيضا شعور بالنشوة وقد نشرت دراسة في مجلة Journal psychiatry تابعت حياة 40 ألف مشارك خلال عشر سنوات وجدت أن ممارسة الرياضة اليومية مرتبط بتحسن الحالة المزاجية لديهم وهذا مايسمى (Runners’ high) بالاضافة لانخفاض مستوى الاكتئاب.
٩- التأمل:
أثبتت دراسة بجامعة هارفارد عام 2011 باستخدام الرنين المغناطيسي أن الطلاب الذين مارسوا التأمل لمدة 8 أسابيع زادت سماكة المنطقة الرمادية في prefrontal cortex وهذا منحهم تركيز أفضل ، معالجة بيانات أسرع وتخطيط أفضل.
البروفيسور Yuan Tang من جامعة ستانفورد وجد أن التأمل يهدئ نشاط منطقة amygdala وهذا يمنح قدرة أكثر على التحكم بالاندفاعات والتحكم بمشاعر الخوف والقلق وقال أن 12 دقيقة يومياً من التأمل بعمق كافية لمنحك هذا الشعور.
البرنامج الذي يوصي به المؤلف باختصار:
اليوم الأول/
قلل استخدام الأجهزة والبرامج الغير ضرورية بشكل كبير وأوقف جميع التنبيهات.
اليوم الثاني/
مارس التعاطف والامتنان .. ركز على الأشياء الجيدة لديك واكتب 5 أشياء أنت ممتن لها يومياً.
اليوم الثالث/
تواصل مع بالطبيعة واحصل على مشي خفيف أو رحلة بسيطة إلى المناطق الطبيعية كالبر أو البحر بعيداً عن ضوضاء وضخب المُدن.
اليوم الرابع/
راقب غذاءك وابتعد عن الأغذية المعالجة والزيوت المهدرجة والأغذية الغنية بالكربوهيدات واحصل على كميات كافية من الماء والفيتامينات والألياف.
اليوم الخامس/
نم جيداً وابعد جميع الأجهزة والمشتتات المسببة للضوضات وتوقف عن تناول الكافيين قبل النوم بساعات.
اليوم السادس/
مارس الرياضة باستمرار ، حول ممارستك للرياضة إلى (أسلوب حياة) وليست مجرد ممارسة للتسلية وقد تلتزم بها أكثر إذا مارستها مع أصدقاءك.
اليوم السابع/
عالج نفسك بالتأمل ، 12 دقيقة من التأمل يومياً كفيلة بتهدئة نفسك ويمكنك ممارستها عن طريق (الصلاة والتسبيح بخشوع - التأمل بعمق - اليوقا ..الخ).
اليوم الثامن/
احرص على بناء علاقات اجتماعية جيدة مع أشخاص ناجحين وإيجابيين الذين يمنحونك شعور بالسعادة ويدفعونك دائماً للأفضل.
نهاية التغريدات:
الكتاب حديث جداً تم إصداره قبل أشهر قليلة ولم أجد منه نسخة عربية.
تعليقات
إرسال تعليق